فصل: الخبر عن انتقاض قفوصة واسترجاعها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن انتقاض قفوصة واسترجاعها.

كان علي بن المعزو يعرف بالطويل من أعقاب بني الرند ملوك قفصة قد ثار سنة خمس وسبعين وخمسمائة كما ذكرناه في أخبارهم وبلغ الخليفة خبره فنهض إليها من مراكش وسار إلى بجاية وبقي عنده يعلى بن المنتصر الذي كان عبد المؤمن استنزله من قفصة أنه يواصل قريبه الثائر بها ويخاطب العرب فتقبض عليه ووجدت المخاطبات عنده شاهدة بتلك السعاية واستصفى ما كان بيده وارتحل إلى قفصة ونزلها.
ووفدت عليه مشيخة العرب من رياح بالطاعة فقتلهم ولم يزل محاصرا لقفصة إلى أن نزل على ابن المعز وانكفأ راحعا إلى تونس وأنفذ عساكر العرب إلى المغرب وعقد على أفريقية والزاب للسيد أبي علي أخيه وعلى بجاية للسيد أبي موسى وقفل إلى الحضرة والله تعالى أعلم.

.معاودة الجهاد.

لما قفل من فتح قفصة سنة سبع وسبعين وخمسمائة وفد عليه أخوه السيد أبو اسحق من أشبيلية والسيد أبو عبد الرحمن يعقوب من مرسية وكافة الموحدين ورؤساء الأندلس يهنونه بالإياب فأكرم موصلهم وانصرفوا إلى بلادهم واتصل به أن محمد ابن يوسف بن وانودين غزا بالموحدين من أشبيلية إلى أرض العدو فنازل مدينة يابرة وغنم ما حولها وافتتح بعض حصونها ورجع إلى أشبيلية وأن عبد الله بن اسحق بن جامع قائد الاسطول بأشبيلية التقى بأسطول أهل أشبونه في البحر فهزموهم وأخذوا عشرين من قطائعهم مع السبي والغنائم.
ثم بلغ الخبر بأن أدفونش بن شانجة نازل قرطبة وشن الغارات على جهات مالقة ورندة وغرناطة ثم نزل أستجة وتغلب على حصن شنغيلة وأسكن بها النصارى وانصرف فاستنفز السيد أبو إسحق سائر الناس للغزو ونازل الحصن نحوا من أربعين يوما ثم بلغه خروج أذفونش من طليطلة بمدده فانكفأ راجعا وخرج محمد بن يوسف بن وانودين من أشبيلية في جموع الموحدين ونازل طلبيرة وبرز إليه أهلها فأوقع هم وانصرف بالغنائم فاعتزم الخليفة أبو يعقوب على معاودة الجهاد وولى على الأندلس أبناءه وقدمهم للاحتشاد فعقد لابنه أبي اسحق على أشبيلية كما كان ولابنه السيد أبي يحيى على قرطبة ولابنه السيد أبي الحصرصاني على غرناطة ولابنه السيد أبي عبد الله على مرسية.
ونهض سنة تسع وسبعين وخمسمائة إلى سلا ووافاه بها أبو محمد بن أبي اسحق بن جامع من أفريقية بحشود العرب وسار إلى فاس وبعث في مقدمته هنتاتة وتينملل وحشود العرب وأجاز البحر من سبتة في صفر من سنة ثمانين وخمسمائة فاحتل جبل الفتح وسار إلى أشبيلية فوافته بها حشود الأندلس وسخط محمد بن وانودين وغربه إلى حصن غافق ورحل غازيا إلى شنترين فحاصرها أياما ثم أقلع عنها واستمر الناس يوم إقلاعه وخرج النصارى من الحصن فوجدوا الخليفة في غير أهبة ولا استعداد فأبلى في الجهاد هو ومن حضره وانصرفوا بعد جولة شديدة وهلك في ذلك اليوم الخليفة يقال من منهم أصابه في حومة القتال وقيل من مرض طرقه عفا الله عنه.

.دولة ابنه يعقوب المنصور.

ولما هلك الخليفة أبو يعقوب على حصن شنترين سنة ثمانين وخمسمائة بويع ابنه يعقوب ورجع الناس إلى أشبيلية فاستكمل البيعة.
واستوزر الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص واستنفر الناس للغزو مع أخيه السيد أبي يحيى فأخذ بعض الحصون وأثخن في بلاد الكفار ثم أجاز البحر إلى الحضرة ولقيه بقصر مصمودة السيد أبو زكريا ابن السيد أبي حفص قادما من تلمسان مع مشيخة زغبة ومضى إلى مراكش فغير المناكير وبسط العدل ونشر الأحكام وكان من أول الأحداث في دولة شأن ابن غانية.

.الخبر عن شأن ابن غانية.

كان علي بن يوسف بن تاشفين لما تغلب العدو على جزيرة ميورقة وهلك واليها من موالي مجاهد وهو مبشر وبقي أهلها فوضى وكان مبشر بعث إليه بالصريخ والعدو محاصر له فلما أخذها العدو وغنم وأحرق وأقلع وبعث علي بن يوسف واليا عليها وأنور بن أبي بكر من رجالات لمتونة وبعث معه خمسمائة فارس من معسكره فأرهب لهم حدة وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فامتنعوا وقتل مقدمهم فثاروا به وحبسوه ومضوا إلى علي بن يوسف فأعفاهم منه وولى عليهم محمد بن علي بن يحيى المسوقي المعروف بابن غانية وكان أخوه يحيى على غرب الأندلس وكان نزله بأشبيلية واستعمل أخاه على قرطبة فكتب إليه علي بن يوسف يأمره بصرف محمد أخيه إلى ولاية ميورقة فارتحل إليها من قرطبة ومعه أولاده عبد الله واسحق وعلي والزبير وإبراهيم وطلحة وكان عبد الله واسحق في تربية عمهما يحيى وكفالته فتبناهما ولما وصل محمد بن علي بن غانية إلى ميورقة قبض على وانور وبعثه مصفدا إلى مراكش وأقام على ذلك عشرا وهلك يحيى بن غانية وقد ولى عبد الله ابن أخيه محمد على غرناطة وأخاه اسحق بن محمد على قرمونة ثم هلك علي وضعف أمر لمتونة وظهر عليهم الموحدون فبعث محمد عن ابنيه عبد الله واسحق فوصلا إليه في الأسطول وانقضى ملك لمتونة.
ثم عهد محمد إلى ابنه عبد الله فنافسه أخوه إسحق وداخل جماعة من لمتونة في قتله فقتلوه وقتلوا أباه محمدا ثم أجمعوا الفتك به فارتاب بهم وداخل لب بن ميمون قائد البحر في أمرهم فكبسهم في منازلهم وقتلهم سنة ست وأربعين وخمسمائة وبقي أميرا لميورقة واشتغل أول أمره بالبناء والغراسة وضجر منه الناس لسوء ملكته وفر عنه لب ميمون إلى الموحدين ثم رجع أخيرا إلى الغزو وكان يبعث بالأسرى والعلوج للخليفة أبي يعقوب إلى أن هلك قبيل مهلكة سنة ثمانين وخمسمائة وخلف من الولد: محمدا وعليا ويحيى وعبد الله وسير والمنصور وجبارة وتاشفين وطلحة وعمر ويوسف والحسن فولى ابنه محمد وبعث إلى الخليفة أبي يعقوب بطاعته فبعث هو علي بن الزبرتير لاختبار ذلك منه وأحسن بذلك إخوته فنكروه وتقبضوا عليه.
وقدموا عليا منهم وبلغهم مهلك الخليفة وولاية ابنه المنصور فاعتقلوا ابن الزبرتير وركبوا البحر في أسطولهم إلى بجاية وولى على ميورقة أخاه طلحة وطرق بجاية في أسطوله على حين غفلة وعليها السيد أبو الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن وكان خارجها في بعض مذاهبه فاستولوا عليه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وتقبضوا على السيد أبي الربيع والسيد أبي موسى عمران بن عبد المؤمن صاحب أفريقية وكان بها مجتازا واستعمل أخاه يحيى على بجاية ومضى إلى الجزائر فافتتحها وولى عليها يحيى ابن أخيه طلحة ثم إلى مليانة فولى عليها بدر بن عائشة ونهض إلى القلعة ثم إلى قسنطينة فنازلها واتصل الخبر بالمنصور وهو بسبته مرجعه من الغزو فسرح السيد أبا زيد ابن عمه السيد أبي حفص وعقد له على حرب ابن غانية وعقد لمحمد بن أبي إسحق بن جامع على الأساطيل وإلى نظره أبو محمد بن عطوش وأحمد الصقلي.
وانتهى السيد أبو زيد إلى تلمسان وأخوه يومئذ السيد أبو الحسن كان واليا وقد أمعن النظر في تحصينها ثم ارتحل بعساكره من تلمسان ونادى بالعفو في الرعية فثار أهل مليانة على ابن غانية فأخرجوه وسبقت الأساطيل إلى الجزائر فملكوها وقبضوا على يحيى بن طلحة وسيق بدر بن عائشة من أم العلو فقتلوا جميعا بشلف وتقدم القائد أحمد الصقلي بأسطوله إلى بجاية فملكها ولحق يحيى بن غانية بأخيه علي بمكانه من حصار قسنطينة فأقلع عنها ونزل السيد أبو زيد الهكلان وخرج السيد أبو موسى من اعتقاله فلقيه هنالك ثم ارتحل في طلب العدو فأفرج عن قسنطينة وخرج إلى الصحراء واتبعه الموحدون إلى مقره بفاس ثم قفلوا إلى بجاية واستقر السيد أبو زيد بها وقصد علي بن غانية قفصة فملكها ونازل توزر فامتنعت عليه ولحق بطرابلس وخرج غزي الصنهاجي من جموع ابن غانية في بعض أحياء العرب فتغلب على أشير وسرح إليهم السيد أبو زيد ابنه أبا حفص عمر ومعه غانم بن مردنيش فأوقعوا بهم واستولى على حللهم وقتل غزي وسيق رأسه إلى بجاية ونصب بها وألحق به عبد الله أخوه وغرب بنو حمدون من بجاية إلى سلا لاتهامهم بالدخول في أمر ابن غانية واستقدم الخليفة السيد أبا زيد من مكانه ببجاية وقدم مكانه أخاه السيد أبا عبد الله وانصرف إلى الحضرة وبلغ الخبر أثناء ذلك باستيلاء علي بن الزبرتير على ميورقة وكان من خبره أن الأمير يوسف بن عبد المؤمن بعثه إلى ميورقة لدعاء بني غانية إلى أمره لما كان أخوهم محمد خاطبه بذلك فلما وصل ابن الزبرتير إليهم نكروا شأنه على أخيهم محمد واجتمعوا دونه وتقبضوا عليه وعلى ابن الزبرتير في أمره وداخل مواليهم من العلوج في تخلية سبيله من معتقله على أن يخلى سبيلهم بأهليهم وولدهم إلى أرضهم فتم له مراده منهم وصار بالقصبة واستنفذ محمد بن أبي إسحق من مكان اعتقاله ولحقوا جميعا بالحضرة وبلغ الخبر علي ابن غانية بمكانة من طرابلس فبعث أخاه عبد الله إلى صقلية وركب منها إلى ميورقة ونزل في بعض قراها وأعمل الحيلة في تملك البلد فاستولى عليه وأضرم نار الفتنة بأفريقية.
ونازل علي بن غانية بلاد الجريد وتغلب على الكثير منها وبلغ الخبر باستيلائه على قفصة فخرج المنصور إليه من مراكش سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة ووصل فاس فأراح بها وسار إلى رباط تازى ثم سار على التعبية إلى تونس وجمع ابن غانية من إليه من الملثمين والأعراب وجاء معه قراقش الغزي صاحب طرابلس فسرح إليهم المنصور عساكره لنظر السيد أبي يوسف ابن السيد أبي حفص ولقيهم بغمرة فانقض جموع الموحدين وانجلت المعركة عن قتل علي بن الزبرتير وأبي علي بن يغمور وفقد الوزير عمر بن أبي زيد ولحق فلهم بقفصة فأثخنوا فيهم قتلا ونجا الباقون إلى تونس وخرج المنصور متلافيا خبر الواقع في هذا الحال ونزل القيروان وأغد السير إلى الحامة فتشاور الفريقان وتزاحموا فكانت الدبرة على ابن غانية وأحزابه وأفلت من المعركة بذماء نفسه ومعه خليلة قراقش وأتى القتل على كثيرهم فصبح المنصور قابس فافتتحها ونقل من كان بها من حرك ابن غانية وذويه في البحر إلى تونس وثنى العنان إلى تونس فافتتحها وقتل من وجد بها ثم إلى قفصة فنازلها أياما حتى نزلوا على حكمه وأمن أهل البلد والأغراب أصحاب قراقش وقتل سائر الملثمين ومن كان معهم من الحشود وهدم أسوارها وانكفأ راجعا إلى تونس فعقد على أفريقية للسيد أبي زيد وقفل إلى المغرب سنة أربع وثمانين وخمسمائة ومر بالمهدية واستجر على طريق تاهرت والعباس بن عطية أمير بني توجين دليله إلى تلمسان فنكب بها عمه السيد أبا إسحق لشيء بلغه عنه وأحفظه.
ثم ارتحل إلى مراكش ورفع إليه أن أخاه السيد أبا حفص والي مرسية الملقب بالرشيد وعمه السيد أبا الربيع والي تادلا عندما بلغهم خبر الوقيعة بغمرة حدثوا أنفسهم بالتوثب على الخلافة فلما قدموا عليه للتهنئة أمر باعتقالهما برباط الفتح خلال ما استجلى أمرهما ثم قتلهما وعقد للسيد أبي الحسن ابن السيد أبي حفص على بجاية وقصد يحيى بن غانية قسنطينة فزحف إليه السيد أبو الحسن من بجاية فهزمه ودخل قسنطينة ابن غانية إلى بسكرة فقطع نخلها وافتتحها عنوة.
ثم حاصر قسنطينة فامتنعت عليه فارتحل إلى بجاية وحاصرها وكثر عيثه بأفريقية إلى أن كان من خبره ما يذكر إن شاء الله تعالى والله أعلم.